“مخاطر عالية” وراء انسحاب بريطانيا من مشروع الربط الكهربائي مع المغرب

في قرار مفاجئ، أعلنت الحكومة البريطانية انسحابها من مشروع الربط الكهربائي العملاق مع المغرب، الذي كانت تعوّل عليه لتأمين نسبة مهمة من احتياجاتها الطاقية عبر مصدر متجدد ونظيف. المشروع، الذي كانت تتولى تطويره شركة “Xlinks” البريطانية، كان يهدف إلى نقل الكهرباء المنتجة من طاقة الرياح والشمس في جنوب المغرب إلى المملكة المتحدة، عبر أطول كابل بحري في العالم يربط بين القارتين الإفريقية والأوروبية. القرار البريطاني أثار موجة من ردود الفعل المتباينة بين مؤيد يراه عقلانياً من منظور اقتصادي، ورافض يعتبره خسارة استراتيجية للطرفين.

مشروع الربط كان من أكثر المبادرات جرأة في عالم الطاقات المتجددة، إذ كان يُنتظر أن يغذي أكثر من سبعة ملايين منزل بريطاني بطاقة نظيفة، ويساهم في تقليص اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، كانت التقديرات تشير إلى أن المشروع سيخفض بشكل ملموس من انبعاثات الكربون ويؤمّن طاقة أرخص مقارنة بمصادر بديلة مثل الطاقة النووية. غير أن وزارة الطاقة البريطانية بررت انسحابها بوجود “مخاطر عالية في التنفيذ والتكلفة”، معتبرة أن المشروع لا يوفر عوائد كافية لتبرير دعمه المالي أو السياسي.

التخوف من الكلفة الباهظة لتنفيذ الكابل البحري، وتعقيداته التقنية التي تشمل عبوره لأعماق بحرية شديدة وتقلبات جيوسياسية محتملة، شكلت أسباباً رئيسية لقرار الانسحاب. كما أن الجدل حول ارتفاع السعر التقديري للطاقة المستوردة من المغرب مقارنة بمصادر محلية زاد من التردد البريطاني. فرغم الدعم الذي حظي به المشروع في مراحله الأولى من قبل مستثمرين كبار، فإن الحسابات الأخيرة أظهرت تفاوتاً بين الطموح والجدوى الاقتصادية، في ظل ارتفاع التكاليف واحتمال انتقال عبء التمويل إلى المستهلكين البريطانيين.

لكن ما وراء الأرقام، يبدو أن القرار يحمل أبعاداً أعمق تتعلق بتحول استراتيجي في سياسة الطاقة البريطانية. فخروج المملكة المتحدة من المشروع لا يمكن فصله عن توجهها المتسارع لتعزيز أمنها الطاقي الداخلي، وتفضيلها لمشروعات على أراضيها، خاصة في ظل اضطرابات الإمدادات الدولية التي فاقمتها الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط. في هذا السياق، قد يكون القرار إشارة إلى تقليص الرهانات على المبادرات العابرة للقارات، والعودة إلى مبدأ “الاعتماد على الذات”، حتى في مجال الطاقات المتجددة.

من الجانب المغربي، شكّل هذا الانسحاب صفعة سياسية واقتصادية لمشروع طموح كان يُروّج له كرمز للشراكة المستقبلية بين إفريقيا وأوروبا. فالمغرب، الذي راكم تجربة قوية في إنتاج الطاقة الشمسية والريحية، كان يطمح من خلال هذا الربط إلى التحول إلى منصّة تصدير للطاقة الخضراء نحو أوروبا، وجعل الطاقات المتجددة رافعة للنمو الاقتصادي الوطني. ويبدو أن المملكة ستكون الآن أمام تحدي إعادة صياغة استراتيجيتها لتصدير الطاقة، سواء عبر شراكات بديلة أوروبية أو بالتركيز على السوق الإفريقية.

رغم الخسارة الظاهرة، لا تزال شركة “Xlinks” مصرة على المضي قدماً في المشروع، مشيرة إلى أنها ستبحث عن ممولين جدد أو شركاء من القطاع الخاص الأوروبي. وهذا يعني أن المشروع، وإن خسر دعم لندن الرسمي، لم يُلغَ بالكامل، بل دخل مرحلة جديدة من التفاوض والمراجعة. ومن غير المستبعد أن تُعيد دول أوروبية أخرى، خاصة تلك التي تسعى لتنويع مصادر الطاقة، النظر في فرص الاستفادة من هذا الكابل الاستراتيجي.

بالمحصلة، يعكس انسحاب بريطانيا من مشروع الربط الكهربائي مع المغرب أكثر من مجرد حسابات مالية. إنه تجسيد لتحولات أوسع في سياسات الطاقة الدولية، حيث تتصادم الطموحات البيئية مع ضرورات السيادة الاقتصادية. وبينما يحاول العالم إعادة ترتيب معادلاته الطاقية في زمن التحول الأخضر، تظل المشاريع الرائدة رهينة الثقة المتبادلة، والاستعداد لتحمل المجازفة من أجل مستقبل أنظف وأكثر استدامة.

ناشر الخبر الأساسي: وكالة الأنباء الأمريكية “Associated Press”، بتاريخ 27 يونيو 2025، نقلاً عن تصريح رسمي لوزارة الطاقة البريطانية، وتقرير من شركة Xlinks.
مراجع داعمة: Financial Times، Reuters، ومصادر الطاقة البريطانية الرسمية.

#المغرب #بريطانيا #الطاقة_المتجددة #مشروع_الربط_الكهربائي #Xlinks #الطاقات_النظيفة #التحول_الطاقي #الكابل_البحري #سياسة_الطاقة #أمن_الطاقة #استثمار_الطاقة #انسحاب_بريطانيا #الشراكة_الطاقية #الربط_الكهربائي #المغرب_بريطانيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.