فاتح ماي؛ عيد الشغيلة أم مأتمها المتجدد؟

في المغرب، يحل فاتح ماي هذا العام وقد فقد كل معنى كان يربطه بعيد الشغل وكرامة الشغيلة، ولم تعد الساحات تملأ بالأصوات المطالبة بالحقوق، ولم تعد الشعارات تصدح بالحياة، ولم يعد العلم يرفع إلا كطقس روتيني لا يثير في النفوس غير السخرية المرة، وصار هذا اليوم، الذي كان يجسد رمزية النضال العمالي العالمي، مناسبة تذكر المغاربة بما فقدوه لا بما نالوه.

في خنيفرة، وفي صورة تختزل مهزلة هذا الواقع، تعرضت أستاذة لاعتداء جسدي وهي تحاول جلب الماء من صهريج مؤسسة تعليمية، لم تكن خارجة في مظاهرة ولا رافعة لشعار سياسي، كانت فقط تبحث عن أبسط شروط الحياة في مكان يُفترض أن يكون رمزا للعلم والكرامة، ووالدتها، التي تدخلت لحمايتها، تعرضت بدورها لإصابة خطيرة في اليد تستدعي عملية جراحية، فأي دولة هذه التي يُضرب فيها المعلم وتهان فيها الأم في وقت يفترض أنه زمن حقوق وإنصاف؟

ما يسمى بـ”الإصلاحات الكبرى” لم يأت إلا على رؤوس الكادحين، فكل إصلاح في هذا البلد ومع هذه الحكومة هو في الواقع تجريد للطبقة العاملة من حقوقها الأساسية؛ الاقتطاعات تتزايد، سن التقاعد يرتفع، وصناديق التقاعد تنهار تحت أعين الجميع دون محاسبة أو مراجعة للمسؤولين عن إفلاسها، أما القانون المنتظر للإضراب، فهو محاولة فاضحة لخنق ما تبقى من حق التعبير والاحتجاج، وتحويل العامل إلى رقم في معادلة اقتصادية لا تعير للإنسانية وزنا.

أما النقابات، التي كان من المفترض أن تكون الحصن الأخير للعمال، تحولت إلى مؤسسات مشلولة، مقطوعة الصلة بواقع الشغيلة، أو متواطئة بصمتها وتخاذلها، ولم تعد تمثل إلا نفسها، وانشغلت بالتسويات والحسابات السياسية على حساب معاناة القواعد، والعامل المغربي اليوم يقف وحيدا، بلا صوت حقيقي يدافع عنه، وبلا إطار قوي يفاوض باسمه.

الأرقام تتحدث بوضوح لا يحتمل التأويل، أكثر من ثمانية ملايين مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر، وغالبية الأجراء محرومون من التغطية الاجتماعية، الأجور مجمدة أو ضعيفة، والأسعار ترتفع بوتيرة لا ترحم، الكرامة تسحق كل يوم في الإدارات والمصانع والمستشفيات والمدارس، في صمت رسمي خانق ولامبالاة حكومية مقيتة.

فأي احتفال يمكن الحديث عنه في ظل هذا الخراب؟ من يستطيع أن يبتسم في فاتح ماي، وعامل النظافة يطارد بالشركات المفوّتة، والممرض يداوم لساعات مقابل أجر لا يليق، والمعلم يهان في القسم، وحارس أمن خاص يقف أمام باب مؤسسة خاصة أو عامة بأحرة أقل من الحد الأدنى للأجور، والعامل الزراعي لا يملك حتى حذاء لائقا للعمل؟ هذا ليس عيدا، بل مرثية جماعية لطبقة مسحوقة، لم يعد لها حتى الحق في أن تحلم بحياة عادلة.

الاحتفال الحقيقي لا يكون برفع اللافتات ولا بإلقاء الخطب المعلبة، الاحتفال يكون باسترجاع الحقوق المنهوبة، وبإحياء النضال الجماعي، وبمحاسبة المسؤولين عن هذا الوضع المزري، فاتح ماي ليس مناسبة للتذكير بتاريخ النضال فحسب، بل دعوة مفتوحة لاستعادة مساره، لا كرامة للعامل إلا إذا دافع عنها بنفسه، ولا مستقبل للبلد إذا استمر في سحق من يبني أسسه كل يوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.