مرة أخرى يهتز إقليم اشتوكة آيت باها على وقع فاجعة مأساوية، والسبب واحد لا يتغير، عربات الموت التي تقل العاملات والعمال الزراعيين إلى الضيعات، في ظروف لا تليق حتى بالبهائم، فبالأحرى بكائنات بشرية تساهم بعرق جبينها في إطعام المغرب من شماله إلى جنوبه.
إقليم بحجم اشتوكة آيت باها، القلب النابض للفلاحة الوطنية، يمد المملكة بما لذ وطاب من الخضروات والفواكه، لكنه في المقابل يترك أبناءه وبناته عرضة للدهس، للموت المجاني، وللإهمال الممنهج، فيما أرباب العمل يجمعون الملايين، وحساباتهم البنكية تنتفخ، لكن أجر العامل لا يسمن ولا يغني من جوع، وظروف تنقله لا تحترم أبسط شروط الكرامة.
أي منطق يقبل أن يتم حشر العشرات داخل شاحنات صغيرة أشبه بتوابيت جماعية متحركة؟ أي قانون هذا الذي يغض الطرف عن هذه المهزلة التي تتكرر كل أسبوع؟ أين الدرك؟ أين الأمن؟ أين وزارة التشغيل؟ أم أن حياة البسطاء لا تستحق عناء التحرك إلا عندما تتحول الأجساد إلى جثث؟
حادثة آيت عميرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة إن استمر هذا التواطؤ بالصمت، فمأساة اليوم قد تتكرر غدا في بلفاع أو بيوكرى أو سيدي بيبي، وهؤلاء العاملات لسن مجرد أرقام في سجلات الحوادث، إنهن أمهات، زوجات، وأطفال ينتظرونهن عند أبواب البيوت، لكن ماذا يجد هؤلاء الصغار في النهاية؟ يتامى في حضن وطن أدار ظهره لهن ولذويهن.
الحقيقة المرة أن الإقليم يعيش مفارقة مخزية، ثروة فلاحية هائلة، مقابل فقر مدقع وظروف عمل أقرب إلى العبودية، ومن غير المقبول أن تبنى قصور أرباب الضيعات فوق دماء العاملات، وأن يتواصل هذا الاستغلال المقنع تحت أعين السلطات دون حساب ولا عقاب.
اليوم وقبل أي وقت أخر لم يعد مقبولا أن نسميها “حوادث سير”، بل هي جرائم إهمال، جرائم صمت، وجرائم دولة لم تحم أبناءها، والساكت عن الحق هنا ليس شيطانا أخرس فقط، بل متواطئ في قتل جماعي مؤجل.
إقليم اشتوكة ايت باها يستحق أكثر من هذا العار، يستحق أن يعامل أبناؤه كبشر، لا كأدوات إنتاج تستنزف ثم ترمى على قارعة الطريق.