لا يختلف اثنان على أن المشهد الحزبي في المغرب يعيش مفارقة صارخة بين ما يرفع من شعارات وما يمارس على أرض الواقع، فأحزاب سياسية، وفي مقدمتها حزب التجمع الوطني للأحرار نموذجا لا حصرا، لا تتوقف عن الترويج لخطاب يتغنى بالشباب والكفاءات والتجديد، لكنها حين تقبل على الاستحقاقات الانتخابية، تعود لتقديم وجوه لا علاقة لها بالتدرج التنظيمي ولا بالتأطير الحزبي، أسماء طارئة على السياسة، وُضعت فجأة في الواجهة من دون أن تمر عبر المسار الطبيعي للعمل الحزبي.
هذا التناقض يطرح أكثر من سؤال حول جدية الأحزاب في تجديد نخبها وإشراك شبابها، فكيف يمكن لشاب ناضل لسنوات داخل الهياكل، وشارك في الأنشطة التنظيمية والمؤتمرات، أن يجد نفسه في النهاية تابعا لشخص التحق بالحزب في آخر لحظة وحظي بترقية سياسية سريعة؟ وكيف يمكن إقناع القواعد الحزبية بأن الكفاءة هي معيار الاختيار، بينما الواقع يكشف أن الولاءات والصفقات تسبق أي اعتبار آخر؟
هذا الوضع لا يسيء فقط لمصداقية الأحزاب، بل يضرب في العمق ثقة الشباب في السياسة كآلية للتغيير، فالإقصاء المتكرر للطاقات المتدرجة والمناضلة يبعث رسالة سلبية مفادها أن الجهد والتكوين لا قيمة لهما أمام منطق القرب من القيادة أو القدرة على تغيير المواقف والولاءات.
والحقيقة أن الأزمة أعمق من مجرد اختيارات فردية، فنحن أمام خلل هيكلي في الفهم الحقيقي للعمل الحزبي، فالأحزاب وجدت لتكون فضاء للتكوين وصقل الكفاءات، لكن ما نراه اليوم يحولها إلى مجرد منصات انتخابية موسمية، تفرز وجوها معدة على المقاس، في غياب أي تقييم موضوعي للقدرات أو وضوح في معايير الانتقاء.
المطلوب اليوم هو وضع آليات شفافة لاختيار المرشحين، على شاكلة مباريات أو تقييمات داخلية تعتمد على الكفاءة الأكاديمية، والنزاهة الأخلاقية، والخبرة الميدانية، وهي خطوة من شأنها أن تعيد الاعتبار للعمل الحزبي وتمنح المصداقية للشعارات المرفوعة.
لكن المعضلة لا تقتصر على حزب الحمامة وحده، بل تشمل مختلف التشكيلات السياسية في المغرب، جميعها تتحدث عن الشباب والكفاءات وتجديد النخب، غير أن الممارسة تكشف أن الاستمرارية في الولاءات الضيقة والتعيينات الفوقية هي السائدة. وهذا ما يفسر تراجع الثقة في الأحزاب وارتفاع منسوب العزوف السياسي بين فئات واسعة من الشباب.
إن استعادة ثقة المواطنين في السياسة تقتضي القطع مع هذه الممارسات، والعودة إلى الجوهر الحقيقي للعمل الحزبي، التدرج، التأطير، وتكافؤ الفرص، فبغير ذلك ستظل الشعارات مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي، وستظل الهوة قائمة بين الخطاب والواقع،لأنه في النهاية لا يمكن الحديث عن أحزاب كفاءات ما لم تترجم الشعارات إلى ممارسات عملية، وما لم تمنح الأولوية للطاقات التي صنعتها التجربة الميدانية والنضال الداخلي، لا للوجوه التي يفرزها منطق المصالح والصفقات.