“اللي ما عجبو الحال يخوي أكادير”، هكذا بكل وقاحة وتسلط تفوهت نائبة لرئيس المجلس الجماعي لأكادير، وكأن المدينة إرث عائلي أو ضيعة خاصة ورثتها عن جدها، تصريح ساقط، ينضح بالجهل السياسي، ويعكس حجم الغرور الذي أصاب بعض المنتخبين حين تذوقوا طعم الكرسي، فظنوا أنفسهم فوق النقد، وفوق الناس وفوق الوطن.
عوض أن تستوعب هذه السيدة النائبة ـ التي تتقلد منصبا عموميا ـ أن موقعها جاء عبر صناديق اقتراع، وتحت وطأة آمال المواطنين ورغبتهم في التغيير، اختارت أن ترد على الانتقادات بعبارات استعلائية، وصلت حد اقتراح “جمع الأموال” لمن لا يعجبه الحال من أجل مغادرة المدينة، أي منطق سياسي هذا؟ ومنذ متى أصبح المنتخب يملك الحق في أن يقرر من يبقى ومن يرحل من المواطنين؟
المدينة ليست ضيعة خاصة، والمنصب ليس سلطة مطلقة، فالنائبة التي تتولى ملفات الشأن الثقافي، أساءت للثقافة أولا، قبل أن تسيء للعمل السياسي، فالثقافة، يا سيدتي، لا تدار بمنطق الطرد والإقصاء، بل تبنى على الحوار، والإنصات، والاعتراف بالاختلاف.
ولما انفجر الشارع الرقمي غضبا، قال مقربون بأنها كانت تقصد المعارضة داخل المجلس، وليس عموم الساكنة، ولكن هل المعارضة ليست جزء من المدينة؟ أليس من حقها أن تنتقد وتعارض وتسائل؟ أم أن المطلوب هو مجلس من المصفقين، لا مكان فيه لصوت مخالف؟
الأخطر من التصريح نفسه، هو هذا النوع من العقلية السياسية التي تنظر إلى المسؤولية كامتياز، وإلى المنصب كمزرعة شخصية، وإلى المواطن كخادم مطيع يجب أن يصمت أو يغادر، وعندما تترافق هذه العقلية مع صور فارهة لسيارات في منتجعات راقية، فإن الجرح يصبح مضاعفا، لأن المواطن البسيط يرى من انتخبهم يتنعمون، بينما أحياؤه تغرق في الظلام، وطرقاته تتآكل، وأطفاله يتعلمون في مدارس متهالكة.
ما قالته نائبة رئيس مجلس أكادير ليس زلة لسان، بل هو انعكاس صريح لمنطق خطير بدأ يتغلغل في بعض مكونات المجالس المنتخبة، منطق الإقصاء، والتهكم، والتعالي على المواطنين، وهذا ما ينبئ بأن المدينة قد تكون مقبلة على صراعات سياسية حادة، عنوانها العجز عن إدارة الحوار الداخلي، والتسابق على المكاسب قبل حلول موعد الانتخابات.