احتضنت العاصمة الرباط، يوم الأربعاء، لقاءً فكرياً متميزاً تم خلاله تقديم كتاب ;حصيلة تطور منظومة حقوق الإنسان بالمغرب خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2025، لمؤلفه الأكاديمي والكاتب خالد الشرقاوي السموني. وجاء هذا اللقاء في سياق فعاليات الدورة السابعة لملتقى “الإكليل الثقافي”، الذي تشرف على تنظيمه جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، وسط حضور لافت للمثقفين والمهتمين بالشأن الحقوقي.
ويقع هذا المؤلف الجديد في 200 صفحة من القطع المتوسط، وصدر باللغة الفرنسية، حيث من المرتقب أن يكون متاحاً في المكتبات الوطنية مع مطلع سنة 2026. ويسعى الكتاب إلى تقديم قراءة تحليلية شاملة للتحولات التي عرفها ورش حقوق الإنسان بالمملكة، سواء على المستوى التشريعي أو المؤسساتي، مع رصد دقيق لآليات الحكامة التي تم إرساؤها خلال ربع قرن من الزمن.
قراءة في منجزات ربع قرن من الإصلاحات الحقوقية
اعتبر الكاتب خالد الشرقاوي السموني، خلال استعراضه لمضامين مؤلفه، أن المرحلة التي يغطيها الكتاب تعد “زاخرة بالإنجازات الملموسة” في مجال الحقوق والحريات. وأوضح أن المغرب نجح في إحداث مؤسسات وطنية قوية تعنى بحماية حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تطوير ترسانة قانونية متطورة تتماشى مع الطموحات الديمقراطية للمملكة وتستجيب لانتظارات المجتمع.
وأبرز السموني أن هذه المنجزات لم تكن لتتحقق لولا المجهودات المبذولة في ملاءمة القوانين الوطنية مع المرجعيات الدولية. وقد شمل ذلك المصادقة على العديد من الاتفاقيات الأمومية الهامة، ورفع التحفظات عن بعضها، مما ساهم في تعزيز صورة المغرب دولياً كدولة ملتزمة بالقيم الكونية لحقوق الإنسان، مع مراكمة مكتسبات نوعية في ممارسات مؤسسات الحكامة.
النهوض بوضعية المرأة والحقوق الاجتماعية والبيئية
توقف الكتاب بشكل مفصل عند الأوراش النوعية التي ميزت هذه الفترة، وعلى رأسها النهوض بوضعية المرأة المغربية وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين. وأشار المؤلف إلى أن الإصلاحات لم تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت لتشمل تعزيز الحقوق الاجتماعية والثقافية، وكذا الحقوق البيئية التي باتت تشكل ركيزة أساسية في السياسات العمومية للمملكة.
هذه التحولات، حسب ما جاء في الكتاب، تعكس رؤية استراتيجية شاملة تضع الإنسان في صلب التنمية. وقد ساهمت هذه الدينامية في خلق فضاءات أرحب للحريات، وضمان حماية الفئات الهشة، مما جعل التجربة المغربية في مجال حقوق الإنسان نموذجاً يحتذى به في المنطقة، خاصة مع الربط المتين بين التنمية المستديمة والحقوق الأساسية.
دور المجتمع المدني في مواكبة الورش الحقوقي
من جانبه، أكد عبد الكامل دينية، ممثلاً عن جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، أن تنظيم هذا اللقاء العلمي يتزامن مع الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، مما يضفي عليه صبغة رمزية خاصة. وأوضح أن البرنامج الثقافي للجمعية يولي أهمية قصوى للقضايا الراهنة، وعلى رأسها حقوق الإنسان التي تعد رافعة أساسية للارتقاء بالوعي المجتمعي وتنوير الرأي العام الوطني.
وأضاف دينية أن انخراط الجمعية في تقديم كتاب ;حصيلة تطور منظومة حقوق الإنسان يعكس دور المجتمع المدني كشريك أساسي في التعريف بالمنجزات الوطنية. وذكر في هذا الصدد بأن دستور 2011 شكل طفرة نوعية من خلال دسترة العديد من الحقوق والحريات في فصوله المختلفة، وهو ما يترجم العناية الفائقة التي توليها المملكة للنهوض بهذا القطاع الحيوي وتطويره باستمرار.
الإكليل الثقافي ومنصات التفكير في المدن المستديمة
تندرج هذه الفعالية ضمن الدورة السابعة لملتقى “الإكليل الثقافي” المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تستمر إلى غاية 25 دجنبر الجاري. ويشكل هذا الملتقى منصة فكرية تجمع بين أبعاد متعددة، حيث يتقاطع فيها الفكر مع التكنولوجيا والسياسات الحضرية، مما يوفر فضاءً للنقاش الرصين حول التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمعات الحديثة.
ويسلط الملتقى الضوء بشكل خاص على الفرص التي تتيحها المدن الذكية والمستديمة، وكيف يمكن للسياسات الحضرية أن تساهم في تحسين جودة حياة المواطنين. ومن خلال دمج قضايا حقوق الإنسان في هذا النقاش، يسعى المشاركون إلى صياغة رؤى مستقبلية تضمن كرامة الإنسان في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وتجعل من المدينة فضاءً آمناً وحقوقياً بامتياز.