في ظل تصاعد أزمة التغير المناخي وشُح الموارد الطبيعية، باتت المياه تمثل أحد أخطر التحديات الاستراتيجية التي تواجه الدول، خصوصًا تلك الواقعة في المناطق شبه الجافة مثل المغرب. ويبرز المغرب اليوم كنموذج واعد في مقاومة ندرة المياه عبر مقاربة شاملة وطموحة.
🌊 التحلية بالطاقة المتجددة: قلب الرؤية المغربية
تُعد تحلية مياه البحر أحد أعمدة الخطة المغربية لمواجهة العطش، حيث تستهدف الحكومة إنتاج 1.4 مليار متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا بحلول عام 2030، أي ما يعادل نصف حاجات المملكة من مياه الشرب. ما يميز هذه الرؤية هو اعتمادها على الطاقة الشمسية والرياح، لتقليص التكلفة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وتشهد مدن مثل أكادير والدار البيضاء والعيون إنشاء مشاريع تحلية عملاقة بشراكة مع شركات دولية، مما يعكس التوجه الاستراتيجي نحو الأمن المائي المستدام.
🔁 إعادة تدوير المياه العادمة: من النفايات إلى المورد
بحسب تصريحات الوزير بركة، فإن المغرب يستثمر بقوة في محطات معالجة المياه العادمة، إذ يتم توجيه هذه المياه المعالجة نحو سقي المساحات الخضراء والملاعب الرياضية وحتى بعض أنواع الزراعة غير الاستهلاكية.
هذا النهج يقلل الضغط على موارد المياه العذبة، ويعزز كفاءة استخدام المياه في بلد يعاني من موجات جفاف متكررة.
🔀 الربط بين الأحواض المائية: العدالة في التوزيع
المغرب يمتلك أكثر من 20 حوضًا مائيًا متباينًا في وفرة الموارد. لذا، تم إطلاق مشاريع استراتيجية لنقل المياه من الأحواض الغنية (مثل اللوكوس وسبو) إلى الأحواض الجافة (مثل تانسيفت وسوس ماسة)، وهو ما يسمح بإعادة التوازن وتوزيع المياه بشكل أكثر عدالة.
هذا التوجه يحمل بعدًا اجتماعيًا واقتصاديًا، إذ يضمن استمرار النشاط الفلاحي والصناعي في المناطق الجافة، ويقلل من موجات النزوح بسبب الجفاف.
🤝 شراكات دولية قوية: الإمارات نموذجًا
يعزز المغرب جهوده عبر إبرام شراكات استراتيجية مع دول وشركات رائدة. أبرز هذه الشراكات هي مع الإمارات العربية المتحدة، التي تمول عددًا من مشاريع التحلية وتبادل الخبرات التكنولوجية.
كما انخرط المغرب في شبكات دولية مثل المجلس العالمي للمياه، مما يسمح له بالحصول على دعم فني وتمويلات دولية، وهو ما يزيد من فعالية استراتيجيته.
📊 الأثر الاقتصادي والاجتماعي المتوقع
من المتوقع أن تُحدث هذه الاستراتيجية تحوّلاً عميقًا في الاقتصاد المغربي، لا سيما في قطاعي الفلاحة والسياحة، الذين يعتمدان بشكل كبير على وفرة المياه. كما ستقلل هذه المشاريع من التوترات الاجتماعية في المناطق المتأثرة بالجفاف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن خلق فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا البيئية والبنية التحتية المائية سيُشكل دفعة قوية للتنمية المحلية.
📌 خلاصة المقال
يقف المغرب اليوم أمام معادلة دقيقة: كيف يمكنه ضمان الأمن المائي في ظل مناخ متقلب وموارد محدودة؟ يبدو أن الإجابة تكمن في رؤية طموحة يقودها نزار بركة، تجمع بين التقنية، الاستدامة، والتعاون الدولي.
إنها ليست مجرد خطة حكومية، بل رهان وطني على المستقبل، يجب أن يُحتذى به إقليميًا ودوليًا.
📰 المصدر: Eurasia Review – 16 يونيو 2025
الكاتب: سعيد تماماني، باحث في قضايا المياه والتغير المناخي، يكتب بانتظام في منصات دولية حول قضايا الأمن البيئي في شمال إفريقيا.
حول المجلة: Eurasia Review هي منصة تحليلية مستقلة تصدر من الولايات المتحدة وتتناول قضايا سياسية وبيئية واقتصادية من منظور دولي، وتستضيف مقالات رأي وأبحاث من خبراء وأكاديميين عبر العالم.
#نزار_بركة #الأمن_المائي #المغرب_2030 #تحلية_المياه #المناخ #الطاقة_المتجددة #المياه_العادمة #سوس_ماسة #ندرة_المياه #الاستدامة