من قلب العاصمة المغربية الرباط، احتضنت المدرسة المهنية للسمعي البصري والغرافيزم EPAG ، مؤخرا، صبيحة فنية، في أولى دورات “الأنفاس المتقلبة – Les souffles volages”، التي جمعت على خشبة واحدة نخبة من شعراء وشاعرات فن “الصلام” من مختلف مدن المغرب، تحت إدارة الشاعر والفنان ياسين جناني وتنشيط الشاعرة الرقيقة حليمة سجاع، في أجواء امتزج فيها الأداء الشعري بالتعبير الحر والإلقاء المتقن.
حمل الافتتاح نبرة وفاء لذاكرة الفن الملتزم، إذ استهل مدير المعهد، السيد محمد العلوسي، كلمته باستحضار رموز شكلوا ضمير الأغنية المغربية المعبرة، من قبيل ناس الغيوان، جيل جيلالة، والمشاهب، واصفًا إياهم بأنهم مؤسسو مدرسة فنية حملت همّ المجتمع وتفننت في صياغته غنائيًا.
لم يكن ذلك الاستحضار مجرّد مدخل، بل كان بمثابة تمرير للشعلة، حين خاطب محمد العلوسي الشعراء الشباب بقوله: “الآن، دوركم أنتم شعراء الصلام، لتكونوا حركة جديدة، وبصمة شعرية تُحاكي الوجع بلغة الفن والادب”.
من جانبه، عبّر المدير الفني، ياسين جاني، عن سعادته بروح المبادرة في نسختها الأولى، “الأنفاس المتقلبة – Les souffles volages”، مؤكدًا على أهمية فتح مؤسسات التكوين المهني على الإبداع الشعري باعتباره رافعة للتعبير وإعادة تشكيل الوعي الجمالي لدى الشباب، ودعامة لبناء ذائقة فنية تتقاطع فيها الكلمة مع الحلم.
وتنوّعت المشاركات الشعرية بين أصوات نسائية ورجالية من مدن عدة، من بينها: مفتاح أمل إليازري (فاس)، بشرى مدكور (الرباط/سلا)، أشرف العواد (وجدة)، سعد جبريل خالد (الدار البيضاء)، مصطفى أغريش (قلعة مكونة)، كوثر لطيفي (بركان)، عزيزة عبد الحق (فجيج)، أشطوك لحسن (مكناس)، حليمة سجاع (الدار البيضاء)، عبد المنعم البوديابي (طنجة)، بسمة هامان (سلا/سطات)، والحسني العلوي إلياس (سلا). وقدّم هؤلاء نصوصًا شعرية تراوحت بين التمرد الهادئ والصراخ الجمالي، وبين الحكي الشخصي والتعبير الجماعي.
وسط هذا التنوع، خطفت الكاتبة والصحافية نادية الصبار الأنظار بمشاركة نثرية حملت عنوان “الراقصة والشيخ”، وهو نص مشبع بنَفَس درامي وإنساني أعاد مساءلة مفهوم الحرية من منظور أنثوي فني. وقد بدا نصها، الخارج نسبيًا عن إيقاع “الصلام”، ككسر جميل للتوقع، منحه الحضور طاقة مختلفة، وفتح أفق التلقي على صوت آخر، لا يقل حرارة وصدقًا عن باقي الأصوات.
اللافت أن معظم المشاركين ينتمون إلى ما يمكن تسميته بـ”شعراء الصلام”، وهو ما جعل مشاركة الشاعرة نادية الصبار تبدو للوهلة الأولى وكانها خارج السياق، لكنها في العمق حملت الحضور نحو نفس شعري أنثوي منفلت، أعاد ترتيب الذائقة الشعرية للحظة قصيرة، لكنها عميقة الأثر.
هذا، وقد أكدت الصبيحة أن رهان “أوباك” على الشعراء الشباب لم يكن مجرد مغامرة عابرة، بل فعل ثقافي متواصل يسعى إلى إعادة وصل الأجيال الجديدة بالكلمة، لا بوصفها أداة تعبير فقط، بل باعتبارها أيضًا أفقًا للتحرّر وبناء الذات.