هل سيسمح بنكيران بتجديد الزيت لمصباحه أم انتهى الكلام

انطلقت، اليوم السبت، بمدينة بوزنيقة أشغال المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية وسط أجواء مثقلة بالتحديات والتطلعات، حيث يسعى الحزب الذي كان يوما نجم المشهد السياسي المغربي إلى لملمة شتاته، واستعادة بريقه الذي خفت تحت ركام الهزيمة الانتخابية المدوية سنة 2021، مؤتمر يمتد ليومين يسعى من خلاله “المصباح” إلى تجديد هياكله وانتخاب قيادة جديدة قادرة على حمله فوق أمواج مرحلة متقلبة لا ترحم من يتردد ولا تغفر لمن يخطئ الحساب.

وسيفتتح المؤتمر بجلسة رسمية سيقدم خلالها الأمين العام، عبد الإله ابن كيران، تقرير الحزب السياسي، فيما تعاقب ضيوف من تونس وموريتانيا والسنغال وتركيا على كلماتهم الداعمة للقضية الفلسطينية ولمشروع الحزب، في حين غاب ممثلو فلسطين والأردن وليبيا لأسباب مختلفة.

ورغم الغياب الميداني لحركة حماس، فقد أكدت مصادر اعلامية أن الحركة ستشارك بكلمة مرئية عن بعد، وحضور حماس ولو عن بعد أشعل جدلا سياسيا واسعا بين من اعتبره دعما طبيعيا للمقاومة ومن رآه مخاطرة غير محسوبة على أمن البلاد.

عبد الإله ابن كيران لم يتردد في الدفاع عن هذا الحضور ووصف الدعوات لمنع حماس من المشاركة بأنها “قلة حياء”، مشددا على أن المغاربة كانوا دوما سندا للقضية الفلسطينية، مؤكدا أن الملك محمد السادس بنفسه وضع هذه القضية في مرتبة نظيرتها الوطنية، كلمات ابن كيران جاءت كسهام تشق ضباب الجدل محملة برسائل سياسية واضحة أن الحزب لا يزال يعتبر الدفاع عن فلسطين جزء من هويته العميقة.

لكن وراء وهج الكلمات يقبع سؤال أكبر؛ هل سينجح حزب العدالة والتنمية في الإفلات من قبضة الهزيمة الثقيلة التي حاصرته منذ انتخابات الثامن من شتنبر، أم أن السقوط الذي بدأ قبل أربع سنوات سيتحول إلى استقرار في قاع المشهد الحزبي المغربي، فالحزب الذي كان صقر السياسة المغربية وتحول فجأة إلى طائر جريح يقاوم بأجنحة مثقلة بالخسائر مطالب اليوم بأن يثبت أنه قادر على الطيران مجددا، لا بمجرد الصراخ ولا بالمناورات الخطابية بل ببناء حقيقي لاستراتيجية جديدة تتجاوز الحنين إلى زمن القوة.

شخصية عبد الإله ابن كيران تظل محورية في معادلة عودة الحزب، فالرجل يختلط فيه السياسي بالحكواتي يجيد إشعال الحماس في النفوس، لكنه يدرك في قرارات نفسه أن الزمن تغير وأن الشعب المغربي، الذي كان في لحظة ما يلهث خلف الشعارات أصبح اليوم يبحث عن حلول حقيقية لمشاكل معقدة، خطاب ابن كيران الذي يشبه أحيانا صدى مطرقة تضرب على معدن قديم لا يكفي وحده لتعبيد طريق العودة ما لم يتبعه عمل تنظيمي قوي ومشروع سياسي مقنع ونخب جديدة تستطيع مخاطبة جيل مختلف من المغاربة.

حزب العدالة والتنمية يصر على أنه يستحق العودة إلى صدارة المشهد السياسي، وأن تجربته الحكومية رغم عثراتها شكلت إضافة نوعية للحياة السياسية الوطنية، غير أن خصومه يعتقدون أن الحزب الذي وعد بالإصلاح العميق وفتح أبواب الأمل أمام المواطنين انتهى به المطاف إلى إدارة الواقع أكثر مما سعى إلى تغييره، فدفع ثمن الترددات والازدواجيات وربما أخطاء التقدير السياسي في ظرفية لم تكن ترحم سوى الفعل الواضح والحسم القاطع.

المؤتمر التاسع ليس فقط لحظة تنظيمية، بل هو مفترق طرق إما أن يفتح للحزب بوابة أمل جديدة أو يحكم عليه بالبقاء طويلا، في ظل الهامش بعيدا عن دوائر التأثير الكبرى، حزب العدالة والتنمية بات اليوم كجندي أصيب في معركة، لكنه لا يزال يصر على الوقوف متكئا على بندقيته القديمة معلقا على ذاكرته أملا في أن تعود رياح السياسة فتحمل سفينته من جديد إلى شاطئ الفعل والتأثير.

غير أن العودة إلى قلب المشهد لن تتحقق بالشعارات ولا بالخطابات الرنانة ولا بالاكتفاء باستدعاء الأمجاد الماضية، بل تحتاج إلى نقد ذاتي شجاع وتجديد عميق في الفكرة والتنظيم والخطاب، وإذا لم ينجح الحزب في ذلك، فسيظل كما هو اليوم رقما صغيرا بصوت كبير، قد يملأ الساحة صخبا لحظات لكنه سرعان ما يتوارى مع اشتداد العواصف.

الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالكشف هل كان مؤتمر بوزنيقة بداية القيامة السياسية لمصباح كاد أن ينطفئ أم مجرد حفلة وداع هادئة لجيل سياسي عرف كيف يصعد لكنه لم يحسن كيف يستمر؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.