لم يكن مساء الأربعاء عاديا في قلب العاصمة الاقتصادية، بل تحول مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، من مسرح للمنافسة الرياضية إلى ساحة للفوضى والخراب، بعد أحداث شغب نسبت إلى بعض المحسوبين على جماهير حسنية أكادير، تزامنا مع المباراة التي جمعت فريقهم بنادي الرجاء الرياضي ضمن الجولة 27 من الدوري الاحترافي المغربي.
صور الكراسي المكسرة والمراحيض المحطمة التي انتشرت كالنار في الهشيم، لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت بمثابة صرخة في وجه العبث، وصفعة على خد الرياضة المغربية التي تستعد لاحتضان استحقاقات كبرى في المستقبل القريب.
عبد اللطيف الناصري، نائب عمدة الدار البيضاء، لم يخف أسفه، ونشر تدوينة على حسابه في “فيسبوك”، أرفقها بصور الخسائر، قال فيها: “هذْ الشِّي مؤسف ومؤلم وبعيد على أخلاق المغرب والمغاربة، واشْ بْهَذْ العقلية سنستقبل الاستحقاقات الرياضية المقبلة؟”. تساؤل مشروع يختصر أزمة العقلية قبل الأزمة الأمنية.
الناصري لم يكتفِ بالإدانة، بل وجه اتهامات صريحة لبعض الأفراد الذين دخلوا الملعب لا من أجل التشجيع، بل لـ”رفع شعارات مسيئة، وتخريب المرافق، والاعتداء على عمال النظافة، ثم الخروج لتقمص دور الضحية”، حسب تعبيره.
وفي رد سريع، باشرت السلطات الأمنية حملة توقيفات في صفوف المشاغبين، وبدأت تفريغ تسجيلات كاميرات المراقبة لتحديد هوية المتورطين. تحقيقات قد تفتح الباب لمحاسبة فعلية، ولكن هل يكفي الرد الأمني وحده؟
ما حدث ليس مجرد انزلاق جماهيري، بل هو مرآة تعكس هشاشة المنظومة التربوية داخل الملاعب، وغياب استراتيجية وقائية حقيقية لمحاصرة ثقافة الشغب المتجذرة، نحن أمام واقع يفرض إعادة النظر في مفهوم التحسيس الرياضي، والتعامل مع الملاعب ليس فقط كمجال للتسلية، بل كمختبر لسلوك اجتماعي يجب أن يُضبط ويُربى.
من غير المقبول أن نواصل دفن رؤوسنا في رمال التبريرات، أو أن نترك زمام الأمور لأقلية منفلتة تشوه صورة مدننا وتسيء لتاريخ أنديتنا، فالمركب ليس ملكًا لفريق أو لجمهور، بل هو فضاء عمومي، وواجهة حضارية، يجب أن تُصان لا أن تُدمر.