1. البداية في عهد الشاه (1957–1979)
انطلقت التجربة النووية الإيرانية في خمسينيات القرن الماضي ضمن إطار المبادرة الأمريكية “Atoms for Peace”. في عام 1957، وقّعت إيران اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة، أفضت إلى بناء أول مفاعل أبحاث في طهران بقدرة 5 ميغاواط، ودخل الخدمة عام 1967. هذا المفاعل كان من نوع “Argonaut” وزُود بالوقود عالي التخصيب من أمريكا. في السبعينات، أسست إيران هيئة الطاقة الذرية (AEOI) وأبرمت اتفاقيات مع فرنسا وألمانيا الغربية لإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، أبرزها مفاعل بوشهر. لكن الثورة الإسلامية عام 1979 أطاحت بتلك الطموحات.
2. الثورة وتحول المسار (1979–1996)
بعد سقوط نظام الشاه، علّقت الدول الغربية تعاونها النووي مع إيران. توقفت مشاريع بوشهر، وسُحبت الشركات الأجنبية. غير أن طهران لم تتخلّ عن طموحاتها، بل بدأت مرحلة جديدة بالاعتماد على الذات. في ظل الحرب الإيرانية العراقية، أولت القيادة الإيرانية أهمية خاصة للقدرات الاستراتيجية، ومن ضمنها القدرات النووية، رغم ضعف الإمكانات. بحلول التسعينات، بدأت إيران بإعادة تنشيط برنامجها النووي، هذه المرة بالتعاون مع روسيا، التي استأنفت العمل في مفاعل بوشهر.
3. شراكات سرية وتكنولوجيا مهربة (1980–2003)
بين الثمانينات والتسعينات، استفادت إيران من شبكة عبد القدير خان، العالم الباكستاني الذي سرّب تقنيات الطرد المركزي P-1 المستوحاة من تكنولوجيا أوروبية. هذه التكنولوجيا وصلت إلى إيران عبر طرق ملتوية، ما سمح لها بتطوير منشآت تخصيب مثل ناتانز. كذلك، شرعت إيران ببناء مفاعل آراك للماء الثقيل، المخصص لإنتاج البلوتونيوم، وهو ما أثار قلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. طوال هذه الفترة، نفت طهران وجود أي نوايا عسكرية، رغم اتساع البنية التحتية السرية.
4. الانكشاف والضغوط الدولية (2002–2015)
في عام 2002، كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عن منشآت نووية سرية في ناتانز وآراك. تبع ذلك تقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثارت شكوكًا حول أهداف البرنامج. دخلت إيران في مفاوضات متوترة مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) واستمرت لسنوات حتى توقيع الاتفاق النووي الشامل JCPOA عام 2015. نص الاتفاق على الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي، وتحديد مستوى التخصيب بـ 3.67%، والسماح بعمليات تفتيش واسعة مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية.
5. الانسحاب الأمريكي وتراجع التزامات إيران (2018–2025)
في 2018، انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، ما دفع إيران إلى التراجع تدريجيًا عن التزاماتها. بدأت طهران تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى وصلت إلى 60% في بعض المواقع، وزادت عدد أجهزة الطرد المركزي. ردًا على ذلك، نفّذت إسرائيل عمليات تخريبية في ناتانز واغتالت العالم محسن فخري زاده. مؤخرًا، في يونيو 2025، شنّت الولايات المتحدة غارات دقيقة على مواقع ناتانز وفوردو وآراك، واعتبرتها محاولة لمنع إيران من بلوغ عتبة السلاح النووي.
6. القدرات الحالية وآفاق المستقبل
اليوم، تملك إيران مخزونًا يقدر بأكثر من 20 ضعف الحد المسموح به في اتفاق 2015، وتستخدم أجهزة طرد متطورة من طراز IR-6. على الرغم من تأكيداتها بأنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، فإن تقارير الوكالة الذرية تشير إلى أن إيران قادرة على إنتاج وقود نووي بدرجة 90% خلال أسابيع. يرى بعض المحللين أن طهران تعتمد سياسة “الاقتراب دون اجتياز”، لتبقي ورقة الضغط في مفاوضاتها المستقبلية، وسط انقسام داخلي بين التيار المحافظ الراغب في الحسم، وآخرين يرون في العودة للاتفاق فرصة لرفع العقوبات.
المصادر:
-
- The Guardian – June 2025: Why Iran’s Nuclear Program is Core to Its Identity
- Reuters – June 2025: How Close is Iran to a Nuclear Weapon?
- Wall Street Journal – June 2025: U.S. Strikes on Iranian Nuclear Sites
- IAEA Reports & JCPOA documents
- مركز الدراسات النووية – جامعة طهران
- أرشيف قناة BBC Persian حول تاريخ عبد القدير خان
#البرنامج_النووي_الإيراني #مفاعل_بوشهر #ناتانز #JCPOA #التخصيب #السلاح_النووي #الملف_الإيراني #إيران #أمريكا_وإيران #إسرائيل_وإيران