تعد خزانة الحسن الثاني بمدينة تارودانت، منشأة ثقافية عمومية تضطلع بدور محوري في تعزيز فعل القراءة وتعميم الولوج إلى المعرفة، وذلك في إطار الجهود المبذولة على الصعيدين المحلي والوطني للنهوض بالثقافة كركيزة أساسية للتنمية المستدامة.
وقد تم إنجاز هذا المشروع الثقافي سنة 2003، بغلاف مالي إجمالي يزيد عن 3 مليون درهم، بتمويل من جماعة تارودانت وجهات داعمة في إطار شراكات متعددة الأطراف.
وتشكل هذه الخزانة الواقعة بالحي الإداري “المحايطة”، على مساحة إجمالية تبلغ 2980 مترا مربعا، منها 1569 مترا مربعا مغطاة، أبرز البنيات الثقافية بالإقليم، التي تشتغل وفق تصور جديد يجعل من المؤسسة مركزا للمعرفة والانفتاح والتفاعل الثقافي.
وتتوفر خزانة الحسن الثاني بتارودانت، على بنية معمارية متكاملة موزعة على ثلاثة مستويات وظيفية، تستجيب لمختلف حاجيات المرتفقين، من الأطفال إلى الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي.
ويخصص الطابق تحت الأرضي بالكامل للأطفال، حيث يحتضن فضاء خاصا بالمطالعة والأنشطة الموجهة، إلى جانب قاعة متعددة الاستعمالات تستقبل ورشات في الرسم والحكي والمسرح، فضلا عن إدارة تشرف على تدبير البرامج والأنشطة الخاصة بهذه الفئة.
أما الطابق الأرضي، فيضم قاعة رئيسية للمطالعة موجهة للكبار، مزودة بأماكن هادئة خاصة بالطلبة والباحثين، إلى جانب مرافق صحية ومجموعة من المكاتب الإدارية، كما يضم الطابق الأول فضاءات ثقافية وتكوينية متقدمة، تشمل قاعة للعروض والندوات والتكوينات، إضافة إلى مركز الموارد والمعلومات حول التراث المحلي، الذي يعنى بتوثيق المعطيات التاريخية والثقافية المرتبطة بمدينة تارودانت.
وتعزز هذه المرافق بمجموعة من الخدمات المكتبية والتقنية الأساسية، من بينها خدمة الإعارة الداخلية، والتوجيه، والولوج إلى فضاءات هادئة ومجهزة للمطالعة الفردية والبحث الأكاديمي، في أفق تطوير منظومة الخدمات الرقمية وتوسيعها لتشمل الفئات الناشئة والباحثين.
و تتوفر الخزانة على طاقة استيعابية تصل إلى 100 ألف كتاب، في حين يبلغ الرصيد الوثائقي الحالي ما يقارب 20 ألف عنوان باللغتين العربية والفرنسية، تغطي مختلف مجالات المعرفة، وفق نظام التصنيف العشري لديوي، المعتمد عالميا لتنظيم المكتبات.
ويشمل هذا التصنيف عشرة أقسام رئيسية وهي المعارف العامة، الفلسفة، الديانات، العلوم الاجتماعية، اللغات العلوم البحثة، العلوم التطبيقية الفنون، الآداب، التاريخ والجغرافيا، إضافة إلى رموز مستقلة للروايات والسير الذاتية.
كما تحرص المؤسسة على تحديث رصيدها الوثائقي بشكل دوري، عبر اقتناء منشورات حديثة تلائم التحولات الفكرية والعلمية، مع التركيز على الإصدارات الوطنية، والإنتاج المحلي، وكتب الطفل واليافعين.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال المسؤول عن خزانة الحسن الثاني بتارودانت، يوسف الزطاوي، إن الخزانة تعد اليوم فضاء تفاعليا يحتضن الفعل الثقافي المحلي، ويعزز حضور الكتاب في الحياة اليومية للمواطنين، خصوصا فئة الأطفال التي تستفيد بانتظام من برامج تربوية وتكوينية موجهة.
وأضاف أن الخزانة لا تقتصر على تقديم خدمات القراءة والإعارة، بل تسعى إلى لعب دور تحسيسي وتوجيهي لفائدة التلاميذ والطلبة، من خلال تنظيم ورشات الكتابة، محاضرات فكرية، وعروض توعوية، تنظم بشراكة مع جمعيات ومؤسسات تعليمية.
وأشار إلى أن المكتبة تشهد إقبالا متزايدا خلال العطل المدرسية، حيث تتم برمجة أنشطة متنوعة لفائدة الأطفال، مبرزا أن المؤسسة تطمح إلى تعزيز رقمنة أرشيفها الوثائقي، وتوسيع خدماتها الرقمية مستقبلا.
من جهته، قال شكيب أريج، فاعل ثقافي بمدينة تارودانت، في تصربح مماثل، إن خزانة الحسن الثاني تعد من بين أبرز المعالم الثقافية بالإقليم، مشيرا إلى أنها تمثل أكثر من مجرد مكتبة عمومية، بل هي فضاء مفتوح للتأمل، والنقاش، والإنتاج الثقافي، ومرتكز حقيقي لنشر الوعي والمعرفة في المدينة.
ولفت إلى أن الخزانة لعبت خلال السنوات الماضية دورا مهما في تكوين جيل جديد من القراء والباحثين، ووفرت متنفسا معرفيا لفئات واسعة من التلاميذ والطلبة، كما ساهمت في إعادة الاعتبار للثقافة كقيمة مجتمعية قائمة بذاتها، خصوصا في سياق التحولات الرقمية والتراجع الملحوظ في الإقبال على الكتاب الورقي.
جدير بالذكر أن خزانة الحسن الثاني بتارودانت، تندرج ضمن شبكة المكتبات العمومية بالمغرب، التي تشكل آلية فعالة لدعم التنمية الثقافية، وترسيخ ثقافة القرب، وتعزيز المساواة في الولوج إلى المعرفة، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى جعل الثقافة رافعة للتنمية البشرية والاجتماعية.
وتبقى الخزانة نموذجا ناجحا لمؤسسة ثقافية مندمجة في محيطها، قادرة على التكيف مع تحولات المجتمع، والمساهمة في بناء جيل قارئ، منفتح، وفاعل في حاضره ومستقبله.