بنكيران يحشر الأمازيغية في الحرف ويتغاضى عن التفعيل

أعادت تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، خلال لقاء حزبي أخير، الجدل القديم حول مكانة الأمازيغية وحرف تيفيناغ إلى الواجهة، في سياق وطني يفترض فيه أن يكون النقاش محسوما دستوريا ومؤسساتيا، لا موضوعا للمزايدات السياسية أو القناعات الشخصية.

بنكيران، الذي سبق أن قاد الحكومة لولايتين، اختار مرة أخرى أن يخرج بتصريحات تفهم على أنها تقليل من شأن الاختيارات الوطنية المرتبطة بالأمازيغية، حين عبر عن رفضه اعتماد حرف تيفيناغ، مفضلا الحرف العربي، ومشيرا إلى نقاشات سابقة قال إنه خاضها حتى مع المؤسسة الملكية (حتى سيدنا هضرت معه فالموضوع قال ليا سي بنكيران هما اللي بغاو) وهي تصريحات لم تمر مرور الكرام، بل خلفت استياء واسعا داخل الأوساط الأمازيغية والثقافية، واعتبرت استمرارا في خطاب معاد للتعدد اللغوي والثقافي الذي يقوم عليه المغرب.

الإشكال في هذه التصريحات لا يكمن فقط في مضمونها، بل في السياق الذي تقال فيه، فالأمازيغية اليوم ليست موضوع نقاش إيديولوجي، بل لغة رسمية بنص الدستور، إلى جانب العربية، واختيار حرف تيفيناغ لم يكن قرارا مزاجيا أو إرضاء لطرف دون آخر، بل ثمرة مسار طويل من البحث الأكاديمي، والتوافق المؤسساتي، والتوجيه الملكي الواضح الذي حسم المسألة منذ سنوات.

ومع ذلك، يصر بنكيران، كلما أتيحت له الفرصة، على استحضار مواقف قديمة، وكأن الزمن السياسي والثقافي توقف عند قناعاته الشخصية، وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية حول منطق الإصرار على السباحة عكس التيار الوطني، في وقت يفترض فيه أن تساهم النخب السياسية في تعزيز الانسجام المجتمعي، لا في تأجيج حساسيات لغوية وهوياتية تم تجاوزها دستوريا.

الأخطر في هذا الخطاب أنه يوحي، بشكل مباشر أو غير مباشر، بأن الأمازيغية مشروع مفروض أو “تنازل” تم تقديمه تحت الضغط، في حين أن الواقع يؤكد أنها مكون أصيل من الهوية المغربية، ضارب في عمق التاريخ، وأن الاعتراف بها لم يكن منّة من أحد، بل تصحيحا لمسار طويل من التهميش.

كما أن العودة المتكررة لبنكيران إلى هذا الموضوع تضع حزب العدالة والتنمية نفسه في موقع حرج، خاصة في ظل التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، حيث بات الوعي بالحقوق اللغوية والثقافية أكثر رسوخًا، ولم يعد الخطاب الإقصائي يجد نفس القبول الذي كان يحظى به في فترات سابقة.

النقاش الحقيقي اليوم لا ينبغي أن ينصب على حرف تكتب به لغة رسمية، بل على كيفية تفعيل طابعها الرسمي في التعليم، الإدارة والإعلام، وضمان حضورها الفعلي في الحياة العامة، أما إعادة فتح معارك محسومة، فهي لا تخدم سوى منطق الاستفزاز السياسي، وتكرس صورة فاعل سياسي عاجز عن مواكبة التحولات الدستورية والمجتمعية، ففي النهاية، تبقى الأمازيغية، بحرفها وتاريخها وامتدادها، ملكا لجميع المغاربة، لا موضوعا لتجاذبات حزبية أو تصفية حسابات إيديولوجية. ومن كان يؤمن فعلا بالديمقراطية، فعليه أولا احترام الاختيارات الدستورية للبلاد، والانخراط في بناء مغرب التعدد والإنصاف، بدل التغريد خارج السرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.