المغرب يتوّج بكأس العرب ويؤكد شخصية البطل

الكاتب: عبد الله مشنون

لم يكن نهائي كأس العرب 2025، الذي جمع المنتخب المغربي بنظيره الأردني على أرضية ملعب لوسيل، مجرد مباراة في كرة القدم، بل كان اختبارًا حقيقيًا للذهنية، والقدرة على الصمود، وإدارة اللحظات الصعبة. ففي مواجهة اتسمت بالتقلب، والإثارة، وارتفاع منسوب الضغط، حسم المنتخب المغربي اللقب لصالحه، مؤكدًا أن البطولات الكبرى لا تُربح فقط بالأقدام، بل بالعقول والإرادة.

 

منذ الدقائق الأولى، بدا أن المنتخب المغربي دخل اللقاء بعقلية الفريق الذي يعرف ما يريد. هدف مبكر أربك الحسابات وفرض إيقاعًا نفسيًا خاصًا، لكن الأهم لم يكن التقدم في النتيجة، بل القدرة على الحفاظ على التوازن في مباراة أدرك الجميع أنها لن تُحسم بسهولة. فالأردن، الذي قدم بطولة قوية، أظهر في النهائي شخصية منافس لا يستسلم، وعاد بقوة ليقلب الموازين ويضع “أسود الأطلس” أمام امتحان حقيقي.

 

ما ميّز هذا النهائي ليس فقط عدد الأهداف أو توقيتها، بل طبيعة التحولات التي عرفها اللقاء. تقدم مغربي، ثم عودة أردنية، ثم تعادل في الأنفاس الأخيرة، فحسم في الوقت الإضافي. هذا السيناريو كشف عن عنصر حاسم غالبًا ما يغيب في التحليل السريع: الذهنية الجماعية.

 

في لحظة كان فيها المنتخب الأردني قريبًا من التتويج، لم يدخل المنتخب المغربي في حالة ارتباك أو استسلام، بل تعامل مع التأخر ببرودة أعصاب، واستثمر خبرته في المباريات الكبرى، ليعود في الوقت القاتل، ثم يفرض منطقه في الشوط الإضافي. هنا بالضبط يُصنع الفارق بين فريق ينافس، وفريق يُتوَّج.

 

في النهائيات، لا تُقاس قيمة اللاعب بعدد لمساته، بل بقدرته على الحضور في اللحظة الفاصلة. عبد الرزاق حمد الله جسّد هذا المعنى بأوضح صورة، حين ظهر في الوقت الذي احتاج فيه المنتخب المغربي لهدف يعيد الأمل، ثم بهدف آخر يحسم اللقب. لم يكن حضوره استعراضًا، بل تجسيدًا لدور المهاجم الحاسم الذي يعرف كيف يكتب اسمه في المباريات الكبرى.

 

ورغم خسارة اللقب، خرج المنتخب الأردني من النهائي مرفوع الرأس. فقد قدّم مباراة كبيرة، وأظهر تنظيمًا وانضباطًا وشجاعة تكتيكية، تؤكد أن ما وصل إليه لم يكن ضربة حظ، بل ثمرة عمل وتطور مستمر. منتخب “النشامى” أثبت أنه بات رقمًا صعبًا في المعادلة العربية، وأن مستقبله يحمل الكثير من الوعود.

 

نهائي لوسيل أعاد التأكيد على أن كأس العرب لم تعد مجرد بطولة إقليمية عابرة، بل منصة حقيقية لاختبار تطور الكرة العربية، من حيث المستوى الفني، والتنظيم، والحضور الجماهيري، والاهتمام الإعلامي. في هذا السياق، جاء التتويج المغربي ليعكس مسارًا تصاعديًا لكرة قدم عربية قادرة على صناعة الفرجة والمعنى معًا.

 

بتحقيقه لقب كأس العرب للمرة الثانية في تاريخه، يرسّخ المنتخب المغربي مكانته كأحد أكثر المنتخبات العربية استقرارًا من حيث الأداء والنتائج، ويؤكد أن النجاحات لا تُبنى على الصدفة، بل على تراكم التجربة، وحسن تدبير التفاصيل، والإيمان بالقدرة على العودة مهما كانت الظروف.

 

في لوسيل، لم يفز المغرب بالكأس فقط، بل فاز برسالة أعمق: أن البطل الحقيقي هو من يعرف كيف ينتصر حين تسير المباراة عكسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.