فوضى التكوينات في الحجامة.. ضعف التأطير قد يهدد ثقة المواطن في الطب البديل

 

تغزو منصات التواصل الاجتماعي موجة لافتة من الإعلانات عن تكوينات الحجامة: أسعار منخفضة، عروض مغرية، ووعود بتحويل أي شخص الى “معالج محترف” في ظرف ساعات معدودة. هكذا تحوّلت الحجامة من ممارسة علاجية عريقة لها قواعدها الدقيقة وتقنياتها المبنية على علم التشريح، إلى سوق مفتوح تسوده الفوضى، وتتزاحم داخله مراكز وورشات تنبت كالفطر. فوراء هذا الإقبال الكبير تختبئ فوضى مقلقة. أشخاص بلا ضمير يقدّمون ما يسمونه دروسا نظرية وتطبيقية في سويعات قليلة، وشواهد تمنح بالجملة دون تكوين فعلي.

في مدينة أكادير أصبحت المهنة تجارة مربحة، حيث يقبل العشرات على تكوينات لا تتجاوز ساعتين مقابل 120 درهماً أو يزيد، ليحصل المتدرب على ثلاث شهادات تمكّنه من بدء “مشروعه” في ممارسة الحجامة… ولو لم يتلق أبسط مبادئ السلامة الصحية.

فمن يحمي المواطن من ممارسات عشوائية قد تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة بسبب سوء التكوين؟ كيف تتحول الرغبة في العلاج الى مخاطرة غير محسوبة؟  بين شهادات ضحايا، وآراء ممارسين، واستقصاء من داخل مراكز التكوين… ورحلة داخل عالم يختلط فيه الوهم بالعلم… “الأول للأخبار” تدخل الى عمق هذه الفوضى، حيث الحقيقة تُروى كما لم تُروَى من قبل.

 

الحجامة بين السنة النبوية والعلم الحديث

تعتبر الحجامة من الممارسات العلاجية التقليدية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية، حيث وردت أحاديث تؤكد فضلها وفائدتها في تخفيف الأمراض وتقوية الجسم. وتوضح المصادر الإسلامية أن الحجامة كانت جزءًا من الطب النبوي، الذي ركز على الوقاية والعلاج بأساليب طبيعية بسيطة وآمنة، مشددة على أن الهدف من الممارسة هو العلاج والتداوي لا الربح أو الاستعراض.

وفي الجانب العلمي الحديث، كشفت العديد من الدراسات أن الحجامة يمكن أن تساعد في تحسين الدورة الدموية، إزالة السموم، وتخفيف بعض الآلام العضلية والمفصلية. كما يمكن أن تفيد أيضًا حالات الصداع النصفي، آلام الظهر، والتقليل من التوتر النفسي. مع ذلك، شددت الممرضة والمعالجة أسماء أمراح على أن هذه الفوائد تتحقق فقط عند ممارستها بواسطة مختص مؤهل، مع مراعاة أسس التعقيم والمعرفة التشريحية الدقيقة، لأن أي خطأ في التطبيق قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

كما أشارت أمراح إلى أن الجمع بين البعد الديني والتقنيات العلمية الحديثة يعزز من مكانة الحجامة كعلاج فعال، لكن ذلك لا يعني إطلاقها للممارسة العشوائية أو لمن حصل على شهادات سريعة بلا تكوين علمي حقيقي. وبالتالي، الحجامة تبقى علمًا قائمًا منذ القدم، لكنها تحتاج اليوم إلى تنظيم رسمي، مراقبة صحية، وتكوين حقيقي لضمان سلامة المستفيدين.

 

مخاطر الحجامة العشوائية وتجارب مرئية

وأكدت الممرضة والمعالجة أنها استقبلت عدة حالات تعرضت لمضاعفات بعد خضوعها لجلسات الحجامة، مشيرة إلى أن بعض الضحايا لا تزال آثار التشريط واضحة على جلدهم. وأضافت أن بعض الممارسين تسببوا بنزيف داخلي نتيجة ضعف التكوين، فيما يقوم آخرون بالتشريط في مناطق حساسة مثل الأوردة، ما جعل العديد من الأشخاص يترددون عن معاودة التجربة خوفًا من الدم والألم الناتج عن الجروح العميقة.

ولفتت المتحدثة أيضًا إلى حالات أخرى تظهر على شكل فقاعات تشبه الحروق، وذلك عندما يظل الكأس على الجلد لفترة طويلة، مؤكدة أن غياب التكوين الكافي وسوء التشخيص هما السبب الرئيس لحدوث مثل هذه الحوادث.

 

شهادات بلا تأهيل: خطر صامت في عالم الحجامة

تحذّر المعالجة من خطورة ما تسميه بـ«التكوينات الوهمية» في مجال الحجامة، معتبرة أن الأثمنة البخسة التي تُقترح والتي لا تتجاوز في بعض الحالات 120 درهماً لا يمكن أن تضمن بأي شكل من الأشكال تكويناً صحياً سليماً. وتؤكد أن أي ممارسة تمسّ جسم الإنسان وتتضمن إحداث جروح وسحب دم، تستوجب معرفة دقيقة بقواعد التعقيم، بعلم التشريح، وبكيفية التعامل مع الحالات المستعجلة، وهي أمور لا يمكن اختزالها في ساعات معدودة.

وتكشف المتحدثة أنها استقبلت، في إطار عملها التمريضي، عدداً من الحالات لمواطنين تعرضوا لمضاعفات بعد خضوعهم لجلسات حجامة أُجريت من طرف ممارسين غير مؤهلين، من بينها التهابات حادة، نزيف غير مضبوط، وندوب دائمة. وترجع هذه الأخطاء، حسب تعبيرها، إلى غياب التكوين الحقيقي والاستخفاف بخطورة الممارسة، مشددة على أن التكوين السريع لا يؤهل الممارس للتعامل مع الحالات التي تُمنع فيها الحجامة أو مع أي طارئ صحي قد يحدث أثناء الجلسة.

وتحمّل الممرضة مسؤولية هذه الوضعية لغياب المراقبة الصارمة على مراكز التكوين، داعية إلى تنظيم المهنة وربط ممارستها بتكوين معترف به يخضع لمعايير واضحة، حمايةً لصحة المواطنين من ممارسات عشوائية قد تكون عواقبها وخيمة.

واعتبرت الممرضة والمعالجة أن بعض التكوينات بأسعار زهيدة جدًا ما هي إلا استغباء واستحمار للناس. وأوضحت أن هذه التكوينات السريعة لا تمنح المتدرب المعلومات الكافية، بل يعاني منها المكوّن نفسه أحيانًا بسبب ضعف معرفته، ما يضاعف المخاطر على المواطنين. وأضافت أن هذا الثمن البخس والافتقار إلى محتوى علمي حقيقي يجعل من بعض الشهادات مجرد أوراق لا قيمة لها، في حين يُستغل حماس المتدربين للولوج إلى المجال لتحقيق الربح التجاري فقط.

 

المؤهلات الضرورية لممارس الحجامة

وأكدت الممرضة والمعالجة أن الممارسة الصحيحة للحجامة تتطلب أولًا حب المهنة، الضمير المهني، والالتزام بالإنسانية وتطبيق السنة النبوية. والإلمام بعلم التمريض أو الطب. وأوضحت أن الهدف من ممارسة الحجامة لا ينبغي أن يكون ماديًا، لأن أي توجه نحو الربح فقط، قد يؤدي إلى ارتكاب أخطاء خطيرة أثناء الجلسات.

وأضافت أن المعالج يجب أن يخضع لعدة دورات تدريبية ليصبح متمكنًا، مشيرة إلى أن ليس جميع المكوّنين مطلعين بالكامل على علم الحجامة أو ممارساتها الصحيحة. ولهذا السبب، شددت على ضرورة تحري المتدربين والمواطنين قبل اختيار أي معالج أو مركز تكوين، لضمان جودة الممارسة وسلامة المتلقي.

 

قيمة الشواهد الممنوحة: بين الاعتراف والكفاءة

وعن قيمة الشواهد التي يحصل عليها المتدربون بعد التكوينات، شددت الممرضة والمعالجة على أنها لا تمتلك أي قيمة فعلية، ولا تضمن الكفاءة الحقيقية لممارسة الحجامة. وأوضحت أن الحل لضمان ممارسة آمنة وموثوقة يكمن في الانخراط بجمعية معترف بها للحجامين أو الانضمام إلى نقابة رسمية، حيث توفر هذه الهيئات مراقبة دقيقة للممارسين، وتضمن احترام المعايير العلمية والصحية، ما يحمي المواطنين من الممارسات العشوائية والمخاطر الناتجة عن التكوينات العشوائية.

 

من المسؤول عن فوضى الحجامة؟

أكدت المعالجة أن الدولة هي المسؤولة الأساسية عن هذه الفوضى، مشددة على ضرورة تقنين المهنة وتحديد جهة رسمية معتمدة لتكوين الحجامين. وأوضحت أن منح رخصة مزاولة المهنة يجب أن يكون مرتبطًا بالكفاءة الحقيقية، وأن يتم تخصيص هذه الممارسة بدرجة أولى للأطباء والممرضين لضمان سلامة المواطنين وتقليل المخاطر الناتجة عن الممارسات العشوائية.

وأضافت أن الحجامة جزء من الطب البديل، وأنه من الضروري تقنين هذا القطاع بأكمله، مشيرة إلى أن بعض الأطباء والممرضين يقفون ضد ممارسي الحجامة ويعتبرونها خرافة، ما يجعل تدخل الدولة لتحديد الإطار القانوني وتنظيم المهنة أمراً عاجلاً وضرورياً.

 

خلاصة

تشير المعطيات الميدانية إلى أن غياب جهة رسمية معتمدة تشرف على التكوين والترخيص، فتح الباب أمام فوضى في منح الشواهد، حيث أصبح بإمكان أي شخص ممارسة الحجامة اعتماداً على وثيقة غير معترف بها، دون مراعاة شروط السلامة أو المعرفة الأساسية بالتشريح والتعقيم وموانع العلاج. ويرى مختصون أن الخلط بين الاعتراف والكفاءة يشكل خطراً حقيقياً، إذ إن الشهادة غير المؤطرة قانونياً لا تحمي المريض ولا تضمن جودة الممارسة، بل قد تساهم في وقوع أخطاء طبية ومضاعفات صحية، من نزيف والتهابات وتشوهات جلدية، وهو ما ينعكس سلباً على صورة الحجامة كعلاج تقليدي له جذوره وأصوله.

في انتظار تقنين واضح للمهنة، يشدد المتابعون على ضرورة تحري المواطنين قبل اللجوء إلى أي معالج، وعلى أهمية ربط أي شهادة بمعايير علمية صارمة وتكوين عملي حقيقي، يعيد للشهادة قيمتها ويضع حداً للفوضى التي باتت تهدد صحة المواطنين.

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.