ومن بين هذه المبادرات المتميزة، تبرز تعاونية “النيات” لإنتاج وتثمين الكبار بجماعة خط أزكان، كنموذج نسائي رائد استطاع أن يجعل من نبتة الكبار المعروفة بجودتها العالية في المنطقة، سلسلة إنتاج محلية واعدة ومصدر دخل قار ونموذج للتنمية المحلية المستدامة.
داخل مقر التعاونية، تنهمك نساء قرويات في عمل دؤوب وهن ينتقين حبات الكبار بعناية قبل تخزينها في أوعية كبيرة استعدادا للتصبير والتعليب، في مشهد يعكس انسجام المهارة اليدوية بمعرفة الأجداد، ويجسد روح العمل الجماعي الذي يميز نساء هذه المنطقة.
وتأسست هذه التعاونية سنة 2018 بمبادرة من مينة الأبيض، التي قادها طموحها إلى تحويل نشاطها الفلاحي من تربية المواشي إلى زراعة وتثمين نبتة الكبار التي تشتهر بها جماعة خط أزكان، باعتبارها بديلا اقتصاديا ومجالا جديدا لتشغيل النساء القرويات اللواتي يمتلكن خبرة في جمعه ومعالجته.
ويرتكز نشاط هذه البنية النسائية على تثمين نبتة الكبار في أشكال متعددة، من ضمنها المخلل بالملح، وزيت الزيتون، والأعشاب كالزعتر والأزير، إلى جانب الكبار المجفف المضاف إلى التوابل، وعسل الكبار الذي بدأ يحظى بإقبال متزايد في الأسواق المحلية بفضل جودته العالية.
وتعد التعاونية، التي تضم في عضويتها ست نساء، فضاء لتأهيل المرأة القروية وتثمين مهاراتها، حيث استفادت المنخرطات من تكوينات في مجالات التسيير والجودة والتسويق، وهو ما أسهم أيضا، بشكل غير مباشر، في خلق فرص شغل موسمية لفائدة نساء من المنطقة.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكدت نائبة مسيرة التعاونية، ابتسام الكزوير، أن تجربة التعاونية أصبحت تشكل مصدر فخر لكل منخرطاتها بفضل المساهمة القيمة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مشيرة إلى أن التعاونية تطمح حاليا، بعد الحصول على الترخيص الصحي، بلوغ أسواق أوسع على المستويين الجهوي والوطني.
من جهتها، أشارت المنخرطة مريم، في تصريح مماثل، إلى أن انضمامها إلى التعاونية أتاح لها فرصة تعلم أساليب إنتاج جديدة وتحسين دخل أسرتها، مبرزة أن العمل الجماعي في التعاونية عزز الثقة بين النساء وخلق روح تضامن حقيقية بينهن.
ومكن دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذي بلغت قيمته 213 ألف درهم، التعاونية من اقتناء المعدات والتجهيزات اللازمة للإنتاج، وهو ما مكنها من الرفع من جودة المنتوج وضمان استمرارية النشاط، وجعلها نموذجا يحتذى به في تثمين المنتوجات المحلية بإقليم آسفي.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس مصلحة تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب بقسم العمل الاجتماعي بعمالة إقليم آسفي، عبد الله أوريكة، أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تضطلع على صعيد الإقليم، بدور محوري في تمكين المرأة القروية من ولوج سوق الشغل وتعزيز مساهمتها في التنمية المحلية.
وأوضح أوريكة، في تصريح مماثل، أن المبادرة قامت، خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2020 و2024، بتمويل 407 مشاريع على صعيد الإقليم، تتوزع بين 325 مشروعا في إطار دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، و82 مشروعا ضمن محور سلاسل الإنتاج ذات فرص التشغيل العالية.
وأبرز أن هذه المشاريع ساهمت في خلق فرص شغل جديدة وتحفيز روح المبادرة لدى الشباب والنساء، مشيرا إلى أنه برسم سنة 2025، تمت برمجة 68 مشروعا جديدا ستتم المصادقة عليها وتنفيذها قريبا.
والأكيد أن تجربة تعاونية “النيات” تجسد نموذجا حيا لنجاح مقاربة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في دعم المشاريع النسائية القروية الموجهة لتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي، كما تعكس في الوقت ذاته، قدرة المرأة القروية على الابتكار وتحويل الموارد المحلية إلى رافعة حقيقية للتنمية المستدامة.